guardian عضو برونزي
عدد المساهمات : 219 نقاط : 26704 0 تاريخ التسجيل : 22/08/2010 حسب
| موضوع: اللاذقية 1 الجمعة نوفمبر 12, 2010 6:34 am | |
| أوغاريت - الأبجدية الأولى
أغاريت Ugarit مدينة قديمة في سورية كشفت أنقاضها في تل أثري يدعى اليوم رأس شمرة، نسبة إلى نبتة الشمرة التي ما تزال تكسو سطحه، ويبعد هذا التل ثلاثة كيلو مترات عن الطرف الشمالي الشرقي لمدينة اللاذقية بعد التعديلات الأخيرة التي أدت إلى امتدادها شمالاً.
ينتصب التل الأثري بين المزارع التي تتألف منها قرية برج القصب على شكل مربع منحرف قليلاً، تبلغ مساحة سطحه اثنين وعشرين هكتاراً، ومتوسط ارتفاعه عن مستوى الأراضي المجاورة ثمانية عشر متراً.
وأول ما عثر عليه من هذه المدينة مدفن في جوار التل المذكور قريباً من الخليج المعروف باسم «مينة البيضا» على بعد نحو كيلو متر إلى الغرب من التل، ففي آذار سنة 1928 كان مزارع من برج القصب يحرث حقلاً على مقربة من الخليج، فاصطدم محراثه بحجر كبير تبين أنه يسد مدفناً في داخله كمية من الأوعية الفخارية، وكانت سورية آنذاك تحت الانتداب الفرنسي، وكان مركز دائرة الآثار في بيروت، وعندما وصل هذا الخبر إلى الدائرة المذكورة أجرت كشفاً على المكان أكد أهمية الفخار الذي عثر عليه. وقررت المؤسسة العلمية المختصة بالآثار في باريس إجراء حفريات في الموقع، ونظمت بعثة فرنسية كُلّفت هذه المهمة.
ابتدأت الحفريات قرب مينة البيضا في 2/4/1929، ولكن سرعان ما اتضح للبعثة أن الأنقاض الموجودة هناك ليست سوى بقايا منشآت عائدة إلى مرفأ المدينة القديم، ومال الاعتقاد إلى أن أنقاض المدينة نفسها ترقد تحت التل الكبير المنتصب إلى الشرق من المرفأ في رأس شمرة، فانتقلت أعمال التنقيب إليه في 9/5/1929 وتوالت الحفريات في التل وفي الحقل المجاور للخليج عدة سنين إلى أن توقفت عام 1939 بسبب الحرب العالمية الثانية. وبعد أن نالت سورية استقلالها في نهاية الحرب وأنشئت المديرية العامة للآثار والمتاحف سُمح للبعثة الفرنسية بأن تستأنف أعمال التنقيب في رأس شمرة بدءاً من سنة 1948. ودرجت البعثة على القيام بالحفر في الموقع في موسم محدد من كل عام بإشراف المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف، وانحصر اهتمامها بالتل نفسه. وفي سنة 1988 كانت البعثة قد أتمت الموسم الثامن والأربعين.
وتبين من الحفر آنئذ أن التل يتألف بتمامه من ركام أنقاض التجمعات السكنية التي تعاقبت على المكان على مر الأجيال. واتجه الرأي بناء على ذلك إلى القيام بأعمال السبر العمودي، علاوة على الحفريات المنظمة في السطح، وفي أماكن مختلفة من التل لتعرّف طبقاته المتراكمة، وتبين أن التل يتألف من ثماني عشرة طبقة يعود أقدمها إلى النصف الثاني من الألف السابع قبل الميلاد. ومع ذلك ظلت المعلومات المتوافرة عن موقع رأس شمرة ومبانيه والحضارات التي توالت عليه ضئيلة جداً لأنها اقتصرت على أعمال السبر العمودية، ولأن كل سبر من هذا القبيل لا يتناول إلا مساحة محدودة جداً، وهي تزداد غنى مع الأيام بنتيجة الحفريات الأفقية المنظمة، ولاسيما تلك التي تجري في الطبقة التي تعود إلى الحقبة الثالثة من عصر البرونز الحديث أي من سنة 1365 حتى سنة 1182 ق.م، لأنها أسفرت عن العثور على وثائق مكتوبة.
لمحة تاريخية
تعود أقدم مرحلة سكن في رأس شمرة إلى العصر النيوليتي أي العصر الحجري الحديث، وهي تنقسم إلى حقبتين تعرف الأولى باسم «النيوليتي ماقبل الفخار» امتدت من سنة 6500 حتى سنة 6000 ق.م، وتعرف الحقبة الثانية باسم «النيوليتي الفخاري» إذ إنها عرفت الفخار واستعماله، وقد دامت هذه الحقبة من سنة 6000 حتى سنة 5250ق.م. وكان السكان يقطنون منازل صغيرة موزعة على سطح قاعدة صخرية قليلة الارتفاع كانت تحتل كل مساحة التل الحالي، وكانوا يستعملون في احتياجاتهم المختلفة الأدوات الصوانية، ويمارسون الصيد البحري وصيد الخنزير البري. أما حيواناتهم الداجنة فكانت البقر والضأن والمعز. وكانوا يزرعون الحنطة والشعير والعدس والكتّان، ويجمعون ثمار بعض الأشجار البرية كالزيتون واللوز والفستق والتين، وفي العصر الكالكوليتي أي العصر الحجري النحاسي، الذي امتد من سنة 5250 حتى سنة 3500ق.م، انحصر السكن في القسم الشرقي من المساحة المأهولة في المرحلة السابقة، كما حدث تطور ملموس في فن العمارة. ويبدو أن المكان هجر وتعطلت فيه الحياة البشرية قروناً عدة.
الأبجدية الأوغاريتية
بدأ عصر البرونز القديم في رأس شمرة نحو سنة 2900ق.م، واستمر حتى نهاية سنة 2000ق.م، وقد عثر في موقع التل على آثار مدينة اقتصر السكن فيها على القسم الشرقي من التل وكان الكنعانيون يؤلفون معظم سكانها. وبالاستناد إلى رقيم مكتوب ظهر في موقع تل أبو صلابيخ في العراق وأكده رقيم اكتشف في إبلا، عُرف أن هذه المدينة كانت نحو سنة 2500ق.م تحمل اسم أُغاريت، وهو مشتق من كلمة «أُغارو» التي معناها «الحقل» باللغة الأكدية.
وفي عصر البرونز الوسيط، الذي امتد من سنة 2000 حتى سنة 1600ق.م، اتسعت مدينة أغاريت حتى شملت كل مساحة التل. وتحول القسم الشرقي، الذي كان مأهولاً من دون سواه في المرحلتين السابقتين، إلى مرتفع بسبب تراكم الأنقاض فيه، فأصبح «أكروبول» المدينة. وفي هذه المرحلة الأخيرة من ذلك العصر أخذ الحوريون[ر] يفدون إلى أغاريت وصارت لهم في المدينة جالية كبيرة اختلطت بالأكثرية الكنعانية. وكان لأغاريت اتصالات جيدة مع مصر وجزيرة كريت ومملكة ماري، وأشهر من حكم المدينة في هذه الحقبة الملك يقار بن نقمد، مؤسس أسرة أغاريت الملكية، كما تذكر بعض الوثائق التي تعود إلى مرحلة لاحقة. أما عصر البرونز الحديث فبدأ سنة 1600ق.م، وفي الحقبتين الأوليين منه، أي من سنة 1600ق.م حتى سنة 1270ق.م، أقامت أغاريت علاقات ودية مع مصر. وكان لها في القرن الخامس عشر ق.م ملك اسمه أبيران. وفي مطلع القرن الرابع عشر كان ملكها يدعى عمّيستمر.
مخطط القصر الملكي
امتدت الحقبة الثالثة من عصر البرونز الحديث من نحو سنة 1370 حتى سنة 1182ق.م. وتتوافر عن هذه الحقبة معلومات غنية جداً، لأن كل الرُّقم المكتوبة، ومعظم المباني والقطع الأثرية التي كشف عنها، تعود إليها. وتتيح هذه الرُّقم تتبع عهود ملوك أغاريت واحداً واحداً، فقد دام عهد الملك نقمد الثاني من سنة 1370 إلى سنة 1335ق.م. وكانت أغاريت قد غدت مملكة تمتد من الجبل الأقرع شمالاً حتى نهر السن (شمال مدينة بانياس الساحل اليوم) جنوباً. وفي عهد هذا الملك دخلت المملكة في منطقة نفوذ الامبراطورية الحثية. وخلف نقمد ابنه أرخلب، وكان عهده قصيراً جداً، لم يدم سوى بضع سنوات (1335- 1332ق.م)، وخلفه شقيقه نقميفع الذي حكم أغاريت من سنة 1332 حتى سنة 1260ق.م، وتعاون مع الدولة الحثية تعاوناً كبيراً، وفي عهده (نحو سنة 1286) اشتركت وحدة عسكرية أغاريتية إلى جانب الحثيين في حرب المصريين في معركة قادش الشهيرة، وخلفه ابنه عميستمر الثاني (حكم مابين 1260ـ 1230ق.م) ويبدو أنه اعتلى العرش صغير السن إذ تولت والدته الوصاية عليه في بداية عهده. وفي أيامه أنشأت الأسرة المالكة مقراً لها في رأس ابن هاني، على بعد نحو خمسة كيلو مترات من رأس شمرة، وقد كشفت الحفريات التي تجري في هذا الموقع منذ سنة 1975 عن قصرين. وبعد عميستمر، اعتلى العرش على التوالي كل من ابنه أبيران الثاني (1230- 1210ق.م) وحفيده نقمد الثالث (1210-1200ق.م). أما آخر ملوك أغاريت فكان عمورافي، الذي خربت المدينة في عهده عندما غزتها «شعوب البحر» نحو سنة 1182ق.م وقضت على مدن الساحل السوري.
حروف الأبجدية الأغاريتية مع الحروف العربية والحروف اللاتينية المطابقة
لم تقم لأغاريت قائمة بعد هذه الكارثة. وبعد قرون عدة، صار البحارة اليونان يرتادون الخليج المجاور لرأس ابن هاني واتخذوه مرفأً لهم. وقد عثر فعلاً بالقرب من هذا المرفأ على منشآت تعود إلى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد. كذلك شيد بعض البحارة اليونان عدداً من المنازل في القسم الشرقي في رأس شمرة، حيث عثر على أبنية يراوح تاريخها بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل الميلاد، وظهرت في الموقع آثار من العصر الروماني، مع العلم أن من سكن تلك المنطقة من أهل البلاد والإغريق والرومان كانوا يجهلون أن أغاريت الكنعانية بقصورها ومعابدها وكنوزها ترقد تحت بيوتهم.
المدينة وتنظيمها ومبانيها
لم تظهر الحفريات المنظمة التي تمت إلى اليوم سوى أقل من ثلث المدينة العائدة إلى الحقبة الثالثة من عصر البرونز الحديث وما يزال أكثر من ثلثيها مدفوناً بانتظار الكشف عنه بالتنقيبات المقبلة، غير أنه يمكن تكوين فكرة عن وضع المدينة في تلك الحقبة وعن مبانيها العامة وتوزع بعض أحيائها.
وأول هذه الأحياء حي القصور، أي الحي الرسمي الذي يحتل القسم الشمالي الغربي من المدينة، ويتقدمه غرباً بناء محصّن شيّد لحمايته يشاهد منه إلى اليوم البوابة المفتوحة في السور، وبرج ضخم، وبعض الغرف الخاصة بالحرس. ويتصدر هذا الحي القصر الملكي الذي تبلغ مساحته ما يقارب الهكتار، ويحتوي القصر على تسعين غرفة وخمس باحات داخلية واثني عشر سلماً تدل على وجود طابق علوي له. وإلى جنوب هذا القصر بناء كبير أطلق عليه اسم القصر الجنوبي، ويبدو أنه كان مركزاً للإدارة المختصة بتجارة أغاريت مع الخارج. أما القصر الشمالي فلم يبق منه إلا القليل، وهو أقدم من القصر الملكي. وفي الحي نفسه بناء كبير يعتقد أنه كان مخصصاً للاحتفالات الرسمية. وقد أظهر التنقيب بعض أقسام المجرور العام الذي كان يمتد تحت هذا القسم من المدينة. وإلى الشرق من حي القصور حيٌ سكني يمتاز بمنازله الواسعة، وتخترقه بعض الشوارع. وفي المنطقة الوسطى من التل ظهر قسم من حي فيه بعض المنازل ومعصرة للزيت ومعبد صغير. وفي الأكروبول، أي القسم المرتفع في شرقي التل، أنقاضُ معبد الإله بعل ومعبد الإله دجن وعدد من المساكن والشوارع والأزقة، وثمة حي للسكن أيضاً في القسم الشمالي الشرقي من المدينة. أما القسم الشرقي الجنوبي فقد كان يسكنه التجار والحرفيون كما يتبين من الحوانيت التي ظهرت فيه مع ماتحتوي عليه من أدوات مختلفة.
إن المباني التي أظهرها التنقيب في رأس شمرة تقدم فكرة جيدة عن فن العمارة في أغاريت، إذ تتألف المنازل عادة من طابق أرضي خاص بالخدمات المنزلية وحفظ المؤن، وطابق علوي (غير موجود اليوم) كان معداً لسكن رب البيت وأفراد أسرته. وتتضمن المنازل، وكذلك القصور، مجارير لتصريف المياه وحمامات ومراحيض. أما المدافن فهي في أقبية البيوت والقصور، ينزل إليها بدرج يقود إلى قبر ذي عقد مبني من حجارة كبيرة الحجم.
الحياة الاقتصادية
كانت الأعمال الزراعية تشغل دوراً رئيساً في حياة الأغاريتيين، ويدور كثير من مقاطع قصائدهم الدينية حول موضوع المطر والجفاف والمواسم الزراعية. وكان هؤلاء يزرعون الزيتون والكرمة والحبوب، ويثبت ذلك ما عثر عليه من معاصر للزيت في المدينة، وهناك نصوص تبين أن محاصيل الأرض كانت موضوع صفقات تجارية، وقد عثر بين الأطلال على عدد كبير من الصنجات (واحدات الوزن) تشهد على التبادل التجاري المحلي. وهناك كثير من الوثائق المكتوبة ومن القطع الأثرية التي تشير إلى صناعة حرفية نشيطة. وعثر كذلك على نصوص تعدد الحرف والمهن التي كانت تمارس في المدينة، ونصوص تبين تنظيم الحرفيين والمزارعين في تعاونيات وشبه نقابات.
ولا شك في أن أغاريت كانت مركز نشاط تجاري بحري على نطاق واسع، بسبب مرفئها، ولاسيما أن الحي الذي عثر عليه قريباً من المرفأ يعود إلى هذه الحقبة. وهناك نصوص تتعلق بالملاحة الأغاريتية، وتبين أنه كان لأغاريت أسطول تجاري. وكان التبادل التجاري يتم عن طريق البحر مع قبرص ومع القسم الجنوبي من الساحل (لبنان وفلسطين). أما التبادل البري عن طريق القوافل فقد كان يتم مع بلاد الحثيين ومع مصر. وكانت أغاريت تصدر الزيت والخمر والحبوب والصوف المصبوغ والخشب، وتستورد بعض المواد الاستهلاكية الأولية كالمعادن وبعض الكماليات من قطع فنية مصنوعة من العاج والحلي وأوعية نفيسة.
الفن
يمكن أخد فكرة جيدة عن الفن الأغاريتي بدراسة القطع الأثرية الكثيرة التي عثر عليها في أماكن مختلفة من تل رأس شمرة. وتشهد القطع الفنية المصنوعة في المدينة نفسها على ذوق الفنانين الأغاريتيين ومهارتهم. ومن المؤكد أنهم تأثروا بفنون شعوب أخرى مثل مصر وقبرص وموكيني (ميسينة) وهذا أمر طبيعي ومعروف في سائر الحضارات، غير أن الأغاريتيين استطاعوا أن يطبعوا إنتاجهم بطابع محلي واضح. ومن القطع الفنية الكثيرة التي عثر عليها حتى اليوم ترقد قطع رائعة من العاج المنحوت في القصر الملكي، وأوان من الذهب تحمل رسوماً جميلة ومعبرة، وأنصاب حجرية ذات رسوم نافرة، وأسلحة مشغولة، وقطع زينة وتماثيل ومجوهرات. ولكن ما يثير الاهتمام بوجه خاص الأختام الأسطوانية التي تحمل رسوماً غاية في الدقة والروعة.
الحياة الثقافية والوثائق المكتوبة
من المسلم به في الأوساط العلمية أن أغاريت، في الحقبة الثالثة من عصر البرونز الحديث كانت مركزاً حضارياً مزدهراً، وأنها وصلت إلى مستوى ثقافي رفيع. ويتجلى هذا واضحاً في الوثائق المكتوبة التي أسفرت عنها أعمال التنقيب.
فقد عثر في رأس شمرة مابين عامي 1929 و1988 على 3557 رقيم فخاري تحمل كتابات، كما ظهر أيضاً عدد من النصوص المنقوشة على مواد أخرى كالأنصاب الحجرية والأسلحة المشغولة والأوعية وغيرها. وهذه الوثائق المكتوبة هي التي أعطت أغاريت شهرتها العالمية وهي كتابات بلغات مختلفة، تفسر علاقات أغاريت السياسية والاقتصادية مع دول أخرى، كما تفسر سبب وجود الغرباء فيها أو مرورهم بمرفئها. ومن هذه اللغات اللغة التي كان يتكلمها سكان أغاريت الكنعانيون، وتعرف اليوم باللغة الأغاريتية، وهي تكتب كتابة مسمارية بالطريقة الأبجدية. وكان الشرق القديم، قبل استعمال هذا النمط، يعرف طريقتين في الكتابة، الأولى هي الطريقة الهيروغليفية أي الصورية، وكل إشارة فيها ترمز إلى كلمة بكاملها أو إلى مقطع صوتي، واستعملت في مصر خاصة. أما الطريقة الثانية فهي الطريقة المسمارية المقطعية وكل إشارة فيها ترمز إلى مقطع صوتي، وقد راجت أولاً في بلاد الرافدين ثم انتشرت في بقاع أخرى. وكانت كل واحدة من هاتين الطريقتين تتطلب عدداً كبيراً من الإشارات، الأمر الذي يجعل استعمالهما صعباً. ولكن الكتابة الأغاريتية التي تتألف من ثلاثين إشارة مسمارية، وكل إشارة منها ترمز إلى حرف ساكن مستقل عن الصوت كما هي الحال في الأبجديات الحديثة تعد أقدم كتابة أبجدية ظهرت في العالم إلى اليوم ما لم يقم دليل على خلاف ذلك، إذ إنها تعود إلى القرن الرابع عشر ق.م. ولقد أظهرت الحفريات اثني عشر رقيماً من رقم «الأبجدية»، وهي رقم تحمل أحرف أبجدية أغاريت الثلاثين بالترتيب الشائع في ذلك العصر، وهو الترتيب نفسه في الألفباء اليونانية وحروف الهجاء العربية. وتبين أن اللغة الأغاريتية قريبة كل القرب من اللغة العربية من حيث التراكيب وقواعد النحو الصرف، ومن حيث المفردات خاصة، ففيها نحو ألف كلمة هي نفسها في اللغة العربية، كما تبين أن بعض الكلمات الأغاريتية ليست في اللغة العربية الفصحى بل هي اللهجة العامية الدارجة في الساحل السوري عامة وفي مدينة اللاذقية خاصة.
وهناك عدد من النصوص المكتوبة باللغة الحورية. وقد أشير سابقاً إلى أن أغاريت كانت تضم، علاوة على الأغلبية الكنعانية، عدداً غير قليل من الحوريين. وقد كتبت الوثائق المكتشفة بهذه اللغة بالطريقة المسمارية المقطعية. وكانت الكتابة الأكدية منتشرة في بلاد الشرق الأوسط قاطبة، ومعتمدة في المراسلات السياسية والتجارية بين مختلف الممالك، كما أنها كانت في الوقت نفسه اللغة الأدبية الفصحى. والجدير بالذكر أن النصوص الأغاريتية والنصوص الأكدية تؤلف أغلبية الرقم المكتشفة في رأس شمرة.
كذلك أسفر التنقيب عن بعض النصوص المكتوبة باللغة السومرية التي كانت في عهد أغاريت «لغة ميتة». وأغلبها في لوائح المفردات وبعض النصوص السحرية والأدبية. كما عثر على بعض الرقم المكتوبة باللغة القبرصية. أما الكتابة الهيروغليفية المصرية فتشاهد في نصوص منقوشة على بعض الهدايا أو التقدمات المرسلة من بلاط الفراعنة إلى ملوك أغاريت أو إلى معابدها، وأما اللغة الحثية فمكتوبة بالنمط المسماري في بعض الرقم وبالطريقة الهيروغليفية في الأختام التي مهرت بها الوثائق الرسمية الصادرة عن بلاد الحثيين.
وقد عثر على معظم الرقم في مجموعات، إلا بعض الرقم المنفردة التي عثر عليها في مواقع مختلفة من المدينة، وتُكوِّن كل مجموعة ديوان وثائق (محفوظات)، أو مكتبة. وعثر على دواوين الوثائق في القصر الملكي، وفي القصر الجنوبي، وكذلك في الحي السكني الواقع شرق القصر الملكي. كذلك عثر في هذا الحي على مكتبة خاصة، كما عثر في الحي الجنوبي على مكتبة خاصة ذات طابع أدبي ومكتبة أخرى ذات طابع ديني. وعثر في الأكروبول، بين المعبدين، في منزل الكاهن الأكبر على مكتبة تشتمل على ملاحم وأساطير.
وتنفرد الوثائق المكتوبة المكتشفة في رأس شمرة بتنوعها، وهي تتناول ميادين مختلفة وفرت للباحثين معلومات كثيرة في مجالات شتى، فهناك الوثائق ذات الطابع الديني، ومنها أربع ملاحم هي: ملحمة بعل وتتألف من بضعة فصول وملحمة مولد الآلهة، وملحمة عرس القمر وملحمة الرفائيم، ومنها أسطورتان هما أسطورة دانيال وأقهات، وأسطورة كرت، ومنها كذلك النصوص الكهنوتية الشعائرية والنصوص السحرية وقوائم بأسماء الآلهة.
وهناك أيضاً نصوص أدبية تشتمل على قصائد ومجموعات حكم ونصائح. أما النصوص المدرسية فمنها تمارين لتعليم الكتابة ومعجمات تسرد مفردات أغاريتية وما يقابلها من اللغات السومرية والأكدية والحورية، وتبين هذه الوثائق اهتمام الكتبة بتعليم طلابهم أصول الكتابة واللغات الأجنبية، وهناك نصوص ذات طابع علمي أو موسوعي من بينها رقيم كبير فيه أسماء الأسماك والطيور المعروفة آنذاك، والأقمشة المستعملة، وأسماء أشهر السنة. وثمة قوائم تشتمل على الأوزان والمساحات والأحجام، وهناك أيضاً نص بيطري يتعلق بمعالجة الخيول المريضة.
ومن الوثائق القانونية عقود بيع وشراء وقسمة ووصايا وغيرها أبرمت بين أفراد عاديين، ونصوص رسمية صادرة عن ملوك أغاريت من هبات وقرارات وأحكام مختلفة. وثمة وثائق قانونية ذات طابع دولي من معاهدات واتفاقات سياسية أو تجارية وقرارات وأحكام صادرة عن بلاد الحثيين. وقد عثر على رسائل متبادلة بين أغاريتيين في الداخل ورسائل دولية متبادلة بين أغاريت وممالك أخرى.
أما النصوص الإدارية فتشتمل على قوائم بأسماء الموظفين والتجار والحرفيين، وقوائم بأسماء المدن والقرى والمزارع التابعة لمملكة أغاريت. وهناك نصوص اقتصادية تتناول التبادل التجاري بين الأغاريتيين أنفسهم أو التبادل التجاري بين أغاريت وبلاد أخرى، ونصوص أخرى تتحدث عن المنتجات الزراعية وقوائم السلع والأدوات المختلفة، ووثائق تتعلق بالملاحة والنقل البحري والبري، وأخرى عقارية تتعلق ببيع الأملاك وتحديد مساحاتها. | |
|