الفتح الإسلامي لمدينة اللاذقية :
تم فتح اللاذقية في سنة 15 هجري 637
م على يد ممنوع عبادة بن الصامت، وبعد فتح المدينة ضمت إلى أجناد حمص، ولكن هناك
فترة من تاريخ اللاذقية غارقة في الظلام هي الفترة الممتدة ما بين 15هجري 637م إلى
سنة 249 هجري 863 م لا يعرف عن اللاذقية إلا النزر اليسير .
وفي سنة 100هجري 718م في عهد الخليفة
الأموي عمر بن عبد العزيز تعرضت المدينة إلى هجوم من قبل الروم فهدموها فأمر
الخليفة بإعادة بنائها وتحصينها في سنة 162هجري 778م قدوم أم السلطان ابراهيم بن
الأدهم ووفاتها .
في سنة 245هجري 809م تعرضت المدينة لزلزال عنيف فلم يبقى
باللاذقية منزل إلا وهدم فوق أصحابه ولم ينجي إلا اليسير
الإمارة التنوخية في اللاذقية:
المتنبي في اللاذقية:
تتناقل كتب الأدب أن أبا الطيب المتنبي وفد على عدد من الأمراء التنوخيين في اللاذقية، بيد أن هذه الكتب تسمي هؤلاء الأمراء، وتسكت عنهم، ولا تعطي أية تفصيلات موسعة أو تلقى حزمة من ضوء على إمارتهم العربية التي حرمت من الإسهاب التاريخي، وكانت تعاصر إمارة سيف الدولة الحمداني في حلب وفترة الحروب العربية- البيزنطية التي تجددت كأشد ما تكون في القرن الرابع الهجري. وقد تتبعت نشأة هذه الإمارة وعصرها الذهبي ونهايتها، فدونت بعض الملامح التاريخية والأدبية التي قد تساعد على تكوين صورة ما.
أصول التنوخيين في اللاذقية:
وسكنى التنوخيين في اللاذقية تعود إلى عهود قديمة حيث استقر فيها عدد كبير من أسرهم، لا بل إن بعض المؤرخين يرجع هذا الاستقرار إلى عهد الحكم الروماني قبل الإسلام والفتح العربي، غير أن تأسيس إمارتهم في اللاذقية حدث في سنة 249هـ أيام خلافة أحمد المستعين العباسي، ففي هذه السنة –حسب ما يذكر اليعقوبي- وثب "بالمعرة المعروف بالفُصيص، وهو يوسف بن إبراهيم التنوخي، فجمع جموعاً من تنوخ، وصار إلى مدينة قنسرين، فتحصن بها، فلم يزل بها حتى قدم محمد المولِّد، مولى أمير المؤمنين، فاستماله واستمال غطيف بن نعمة، وصار إليه، ثم وثب بغطيف بن نعمة فقتله، وهرب الفصيص، فصار إلى جبل الأسود، واجتمعت قبائل كلب بناحية حمص على الامتناع على المولِّد، فسار إليهم فواقعهم، فكانت عليهم، ثم وثبوا عليه، فهزموه، وقتلوا خلقاً عظيماً من أصحابه، وانصرف إلى حلب في فُلَّه، ورجع الفُصيص إلى قنسرين، وجرت بينه وبين كلب محاربة، وعزل المولِّد وولي أبو الساج الأشروسنِّي، وكتب إلى الفصيص يؤمنه، وصير إليه الطريق والبذرقة ثم ولاه اللاذقية ونحوها".
والفصيص هذا: يوسف بن إبراهيم التنوخي، رأس الأمراء التنوخيين في اللاذقية، وإياه عنى أبو الطيب المتنبي في بيتين له قالهما في معرض مديحه للحسين ابن اسحاق التنوخي أمير اللاذقية لعهده:
وجدنا ابن اسحاق الحسين كجده *** على كثرة القتلى بريئاً من الإثم
أطعناك طوع الدهر يا بن ابن يوسف *** بشهوتنا والحاسدون لك بالرغم
وكان الفصيص قبل تولي إمارة اللاذقية "غازياً يقتل الكفار" أي الروم البيزنطيين، كما نوه بذلك الواحدي على شرحه لديوان المتنبي.
تاريخ التنوخيين في اللاذقية:
قد أصيبت الإمارة التنوخية في اللاذقية بتزعزع سنة 319هـ، عندما ولى مؤنس المظفر، الذي كان يدبر شؤون الخلافة العباسية للقاهر، غلامه: طريف بن عبد الله السبكري الخادم على حلب، "وكان ظريفاً شهماً شجاعاً، وحاصر بني الفصيص في حصونهم باللاذقية وغيرها، فحاربوه حرباً شديداً حتى نفد جميع ما كان عندهم من القوت والماء، فنزلوا على الأمان فوفى لهم، وأكرمهم، ودخلوا معه حلب مكرمين معظمين، فأضيفت إليه حمص مع حلب".
ويلوح أن التنوخيين سرعان ما استطاعوا أن يعيدوا سلطانهم إلى اللاذقية، فعندما زارها أبو الطيب المتنبي سنة 321هـ، ولم تكن سنه قد أربت على العشرين، كانت اللاذقية بحوزتهم، وقد احتوى ديوانه على قصائد عديدة في مدح أمرائهم الذين تتالوا على حكم اللاذقية لعهده وهم: محمد بن اسحاق والحسين بن اسحاق وعلي بن إبراهيم، وفي رثاء محمد بعضها من غرر قصائده، ومن شأنها أن تضفي ضوءاً ورواء على إمارتهم يعوضان عما افتقدته من إسهاب.
ويتبادر لنا أن الإمارة التنوخية غدت بعد قيام الدولة الحمدانية في حلب تحت سيادة سيف الدولة الحمداني الذي بسط سيطرته على المعرة وحماه وحمص ومنطقة اللاذقية، ويلوح أن أمراءها كانوا على اتفاق معه، وربما كان يعاملهم معاملة الولاة، غير أنهم مع ذلك كانوا يتمتعون بالاستقلال الذاتي في تدبير شؤون بلادهم.
ومما يدعو للأسف أن حظ تنوخي اللاذقية من الإسهاب التاريخي والامتداد المطبوع بطابعهم أقل بكثير من حظ اللبنانيين منهم، وهذا ما جعل الدارسين يغفلون عنهم ويظنون أن الحركة التنوخية خاصة بلبنان، ويذكرون تنوخي لبنان دون تنوخي اللاذقية، وقد دون محمد عزة دروزه نبذة عنهم رجح فيها أنهم وتنوخي لبنان من قبيلة واحدة هي تنوخ قضاعة، وذكر أن التنوخيين حينما وجهوا من منطقة معرة النعمان التي كانوا قد استقروا فيها عقب حركة الفتح العربي الإسلامي قد وجهوا إلى سواحل الشام وجبالها القريبة لصد غارات الروم البيزنطيين في البحر وإحباط دسائسهم بين نصارى هذه الجبال والسواحل وتقوية العنصر العربي الإسلامي فيها وأنهم اتجهوا من المعرة إلى اللاذقية أولاً حيث تقع في طريقهم، فاستقر منهم جماعات في منطقتها، وجاء منهم جماعات أخرى إلى لبنان حيث استقروا في أنحائه الجبلية الغربية المحاذية لبيروت. ونوه إلى أن ذلك هو أيضاً رأي فليب حتي حيث ذهب إلى القول: أن تنوخي لبنان واللاذقية والمعرة هم من قبيلة واحدة هي تنوخ قضاعة التي كانت في بلاد الشام قبل الإسلام، بينما يذهب شكيب أرسلان إلى أن تنوخي اللاذقية والمعرة فقط هم من تنوخ قضاعة دون تنوخي لبنان.
قصائد المتنبي في التنوخيين:
وأولى القصائد التي قالها أبو الطيب المتنبي في التنوخيين مرثيته في الأمير محمد بن اسحاق بن يوسف التنوخي الذي توفي في السنة التي وفد فيها المتنبي عليهم، وربما كان قد سعى إلى اللاذقية ليرثي عميدهم الذي قال فيه:
ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى **رضوى على أيدي الرجال تسير
خرجوا به ولكل باكٍ خلفه *** صعقات موسى يوم دُك الطور
والشمس في كبد السماء مريضة **والأرض واجفة تكاد تمور
وحفيف أجنحة الملائك حوله ** وعيون أهل اللاذقية صور
وفي ديوان المتنبي بالإضافة إلى هذه المرثية ثلاث قصائد مهداة إلى الحسين أخي محمد بن اسحاق الذي تولى الإمارة بعده، وكان شاباً جميل الطلعة ومحارباً مقداماً عمت مآثره وأخبار كرمه آفاق البلاد كما يقول بلاشير في دراسته عن المتنبي، الذي جعل وفاته سنة 368هـ نقلاً عن لويس شيخو في شرح مجاني الأدب، والذي أعلمه أنه في سنة 356هـ كانت اللاذقية بيد الأمير علي بن إبراهيم بن يوسف الفصيص ابن عم الحسين إذ أورد هذه الإشارة ابن العديم في زبدة الحلب، وبهذا أما أن يكون تاريخ وفاته خطأ إذ أن بلاشير لم يطمئن لهذا التاريخ، فقد عقب عليه بقوله: "ولا نعلم مصدر هذا الخبر الذي اعتمد عليه لويس شيخو" أو أن علي بن إبراهيم خلع الحسين الذي توفي بعد ذلك في التاريخ الذي أشير إليه، فقد كان ثمة صراع بين التنوخيين أنفسهم إذ كان ليوسف بن إبراهيم ابنان: اسحاق وإبراهيم ولأسباب نجهلها استأثر أبناء إسحاق بالإمارة دون أبناء إبراهيم الذي أرجح كونه الابن الأكبر ليوسف وذلك من اتفاق اسمه مع اسم جده والعادة أن يسمى الابن الأكبر باسم الجد، فلذلك نظر أبناء إبراهيم إلى أبناء عمومتهم نظرة المغتصبين، والذي يؤكد ما ذهبت إليه أن المتنبي لم يرث الحسين بن اسحاق وكان قد رثى قبله أخاه محمداً.
ومما يؤيد ما ذهبنا إليه قول المتنبي مخاطباً الأمير عليا:
وقد مزقت ثوبَ الغيّ عنهم ** وقد ألبستهم ثوب الرشاد
فما تركوا الإمارة لاختيار *** ولا انتحلوا ودادك من وداد
فمن هؤلاء الذين لم يفتك بهم الأمير وإلباسهم ثوب الرشاد! ومن هؤلاء الذين علي؟ وإنما اكتفى بتمزيق ثوب الغي عنهم كان المتنبي قد نزل بهم في اللاذقية ومدحهم، وهو الآن في ظل الأمير الجديد يلجأ إلى تسويغ مدحه؟ أليسوا: الحسين بن اسحاق وآله؟؟ حيث يقول:
أشرت أبا الحسين بمدح قومٍ *** نزلت بهم فسرت بغير زاد
وظنوني مدحتهم قديماً *** وأنت بما مدحتهم مرادي
وكيف يكون هو بما مدحهم مراده إذا لم يكن هنالك رابط بين الاثنين.
غير أن الأمراء التنوخيين خضعوا بعد وفاة سيف الدولة الحمداني للبيزنطيين فإن أبا الحسين "علي بن إبراهيم بن يوسف الفصيص سلم اللاذقية لنقفور فوقاس، إمبراطور الروم، عندما وصل إلى اللاذقية سنة 357هـ في نطاق حملته على بلاد الشام، فقد ذكر ابن العديم في زبدة الحلب أن نقفور بعد فتح جبلة توجه إلى اللاذقية فانحدر إليه أبو الحسين علي بن إبراهيم، فوافقه على رهائن تدفع إليه منها، وانتسب له مفرن نقفور سلفه، وجعله سردغوس وسلم أهل اللاذقية، ويذكر رنسيمان في تاريخ الصليبية أنه خلفها وراءه وقد اشتعلت بها النيران (..!)
وقد ظل للتنوخيين سلطان في اللاذقية طيلة بقاء البيزنطيين فيها حتى عام 477هـ حيث استولى السلاجقة على اللاذقية، وقد حاول التنوخيون في أخرَةٍ من أيامهم التفلت من سيطرة البيزنطيين التي ضعفت، ففي عام 473هـ قام قاضي جبلة أبو محمد عبد الله منصور بن الحسين التنوخي المعروف بابن صليحة –وكانت جبلة تخضع للبيزنطيين، وعليها مثل اللاذقية من قبل البيزنطيين قضاة من تنوخ –بثورة على البيزنطيين، وقد استطاع بفضل معونة قاضي طرابلس جلال الملك بن عمار تخليص المدينة.