على اعتبار أن حصاد المياه يُعدّ تقليداً قديماً تم استخدامه مُنذ آلاف السنين في معظم الأراضي الجافة من العالم، إلا أن ثمة تقنيات كثيرة قد جرى تطويرها، معظمها لأغراض الري، بينما طورت تقنيات أخرى من أجل حفظ المياه ليصار إلى استهلاكها من قبل الإنسان والحيوان. وقد تختلف تسميات هذه التقنيات أحياناً تبعاً للمنطقة، في حين يأخذ بعضها الاسم ذاته، مع أنها مختلفة تماماً من الناحية العملية.
وتُصنّف أساليب حصاد المياه بطرائق متعدّدة، معظمها يعتمد على نمط استخدام المياه أو تخزينها، غير أن أكثر التصنيفات شيوعاً في الاستخدام هو ذلك الذي يعتمد على حجم المستجمع.
نظم المستجمعات المائية الصغيرة :إن نظم المستجمعات المائية الصغيرة هي تلك التي تُجمع فيها المياه السطحية الجارية من منطقة مستجمع صغيرة تنساب منها المياه إلى مسافة قصيرة. وعادة ًما تُضاف المياه الجارية إلى منطقة زراعية مجاورة، حيث يُصار إلى تخزينها إما في منطقة الجذور ليستخدمها النبات بشكل مباشر أو يتم تخزينها في حوض صغير لتُستخدم فيما بعد.
ويمكن زراعة المنطقة المُستهدفة إما بالأشجار أو بالشجيرات أو بالمحاصيل الحوليّة. ويتراوح حجم المستجمع من بضعة أمتار مربعة إلى ما يقارب الألف م2.
وقد تكون أسطح المستجمع الأرضي أسطحاً طبيعية مع غطائها النباتي، أو قد تُنظّف وتُعالج بطريقة ما لتحريض الجريان لاسيّما عندما تكون التربة خفيفة. أما أسطح المستجمعات المائية غير الأرضية فتشمل سطوح الأبنية، وفناء الدار وبنى كتيمة مشابهة.
نظم على مستوى المزرعة :تُعدّ نظم المستجمعات المائية الصغيرة على مستوى المزرعة نظماً بسيطة في تصميمها، ويمكن إنشاؤها بتكاليف منخفضة، ممّا يجعل تكرارها والقُدرة على التحكّم بها أمراً يسيراً. وتتّسم هذه النظم بكفاءة جريان أكبر مُقارنة بنظم المستجمعات الكبيرة، ولا تحتاج عادةً إلى وسيلة لنقل المياه. كما تسمح بالتحكّم بانـجراف التربة وتوجيه الرواسب للاستقرار في المنطقة المزروعة.
وتتوافر تقنيات للمستجمعات الصغيرة المعتمدة على الأرض تتلاءم مع أي منحدر أو أي محصول. غير أن هذه النظم تتطلّب صيانة دورية متواصلة مع يد عاملة كثيرة إلى حدّ ما.
وخلافاً لنظم المستجمعات المائية الكبيرة، فإن المُزارع يتمتّع بالسيطرة ضمن مزرعته على المستجمع والمناطق المستهدفة على حدّ سواء، حيث يتم إنشاء كافّة مُكونّات النظام ضمن حدود المزرعة. وتعتبر هذه المسألة من النقاط الإيجابية من ناحية الصيانة والإدارة، غير أنه ونتيجةً لخسارة جزء من الأرض المنتجة فإن هذه النظم تقتصر على البيئات الأكثر جفافاً، حيث تواجه زراعة المحاصيل خطر الإخفاق، الأمر الذي يستدعي الزرّاع إلى تخصيص جزء من المزرعة لعمل المستجمع.
ونُقدّم فيما يلي وصفاً لأهم نظم مستجمعات المياه الصغيرة المعتمدة على الأرض أو نظم حصاد المياه على مستوى المزرعة في المناطق الجافة من WANA : منزلية وبيئية.
1- متون الكِفاف Contour ridgesوهي حواجز ترابية يتم إنشاؤها على طول خطوط الكِفاف، تبعد الواحدة عن الأخرى عادة مسافة تتراوح مابين 5-20 م. وتتركّز الزراعة على مسافة 1-2 م أعلى المتن، أما ما تبقّى من المسافة فيشكّل المستجمع. ويختلف ارتفاع كل متن تبعاً لدرجة ميل الأرض، وتحتجز مياه الجريان المتوقعة مُقدم هذا المتن. وقد تُدَعم المتون بالحجارة إذا لزم الأمر. وتعتبر عملية إنشاء المتون تقنية بسيطة يمكن تنفيذها إما يدوياً بوساطة آلة يجرها حيوان، أو بوساطة جرّار مزود بالتجهيزات المناسبة. ويمكن إنشاؤها على نطاق واسع من المنحدرات من 1 % حتى 50 %.
ويكمن مفتاح نـجاح هذه النظم بوضع المتون بأكثر دقّة ممكنة على طول خط الكِفاف. وإلا انسابت المياه على امتداد المتن وتجمّعت عند أخفض نقطة، ثم اخترقته ودمّرت كامل النظام الموجود في أسفل المنحدر. ويمكن استخدام أدوات المسح، أو معدّات يدويّة لتحديد الكِفاف، غير أن هذه الأساليب بالغة التعقيد وتعتبر مضيعة للوقت بالنسبة لمعظم صغار المزارعين. أما أبسط الأساليب فيتمثّل في استخدام الخرطوم الشفاف المرن بطول يترواح ما بين 10-20 م مُثبتاً على عمودين مدرّجين. يُملأ الخرطوم بالماء بحيث يظهر مستويا الماء عند طرفيه بوضوح على المقياس. ويمكن لشخصين تتبّع خطّ الكِفاف من خلال تعديل موقع أحد العمودين بحيث يصبح مستوى الماء عند الطرفين فيهما واحداً.
إذا لم يكن تحديد الكِفاف بدقّة أمراً مُجدياً، فإنه يمكن إضافة سدود عرضيّة صغيرة (وصلات) على مسافات مناسبة على طول المتن لوقف تدفّق المياه على طول المتن. وتُعتبر متون الكِفاف إحدى أكثر التقنيات أهمية في دعم تجدّد الأعلاف والأعشاب والأشجار المُقاومة وإيجاد مزارع خاصة بها على المُنحدرات البسيطة والشديدة في البادية.
كما تُستخدم في المناطق الاستوائية شبه القاحلة للمحاصيل القابلة للزراعة من قبيل الذرة الرفيعة، والدخن، واللوبياء، والفاصولياء.
ويُمكن إنشاء شكل خاص من متون الكِفاف لاستخدامها مع سدود (حواجز) حجريّة فوق المنحدرات البسيطة. فالحواجز الحجريّة هي بنُى نفوذة تعمل لإبطاء حركة جريان المياه وزيادة عملية الترشيح فقط. ويمكن القيام بحفر الأرض لإضافة التراب الناتج إلى جانب الحاجز المتصل بمجرى المياه لتحويله إلى متن كِفاف كتيم للمياه. ويستخدم هذا النظام أحياناً في المناطق الاستوائية شبه القاحلة مع تقنيات أخرى، من قبيل نظام زاي (zay) أو نظام متون الكفاف مع وصلات. ولا يُمكن استخدام نظم الحواجز الحجرية هذه إلا إذا توافرت حجارة بأحجام كبيرة ومناسبة في المناطق المجاورة.
2- المتون الهلالية وشبه المنحرفة Semi-circular and Trapezoidal Bundsهي حواجز أو متون ترابية على شكل نصف دائرة أو هلال أو شبه منحرف، تكون مواجهة لأعلى المنحدر بشكل مباشر. ويتم إنشاؤها على مسافات تتيح لمستجمعٍ كافٍ القيام بتجهيز مياه الجريان المطلوبة، فتتجمّع أمام الحاجز وهو المكان الذي تُزرع فيه النباتات. وعادةً ما يتمّ إنشاء هذه الحواجز على شكل صفوف مُتفاوتة.
ويتراوح قُطر الدائرة أو المسافة ما بين نهايتي الحاجز من 1-8 م ، بينما يبلغ ارتفاعه ما بين 30-50 سم. إن حفر التربة في الجانب العلوي لخط المتن عند إنشائه يسبب انخفاضاً ضئيلاً في مستوى التربة، حيث تتوقّف المياه عن الجريان وتتجمّع عند المتن وتُخزّن في منطقة جذور النبات.
كذلك، فإن درجة الانحدار ستزداد ممّا يرفع من معامل الجريان السطحي؛ وبهذه الحالة يمكن استخدام هذه التقنية فوق الأرض المُنبسطة، مع إمكانية استخدامها أيضاً فوق المنحدرات التي لا تزيد عن 15 %.
وتُستخدم هذه المتون والحواجز بشكل رئيس من أجل إعادة إحياء المراعي الطبيعية أو من أجل إنتاج الأعلاف، إلا أنه يمكن استخدامها أيضاً من أجل زراعة الأشجار والشجيرات، وأحياناً من أجل زراعة المحاصيل الحقلية (مثل الذرة الرفيعة)، والخضروات (مثل البطيخ الأحمر).
تُعتبر المدرجات التي تتّخذ شكل حاجب العين شكلاً من أشكال السدود نصف الدائرية المدعومة بالحجارة عند الجانب الخلفي. ويتناسب تعزيز السدود بالحجارة مع شدّة ميل المُنحدر. كما يتطلّب تأسيس هذا النظام وصيانته الكثير من اليد العاملة.
3- الحفر الصغيرة Small pitsيعود تاريخ عمل الحفر إلى زمن بعيد جداً، ويجري استخدامها بشكل رئيس في المناطق الغربية والشرقية من إفريقيا، مع أنها انتشرت أيضاً في بعض مناطق WANA. وتُعتبر هذه التقنية ممتازة من أجل إعادة إحياء الأراضي الزراعية المتدهورة. ويتراوح قُطر الحفرة من 0.3-2 م.
وأشهر نظم الحفر نظام زاي (zay) المُستخدم في بوركينا فاسو. وهو عبارة عن عمل حفر بعمق يتراوح بين 5-15 سم، حيث يُمزج السماد العضوي ومختلف أنواع الأعشاب مع قليل من التربة ويُوضع المزيج في حفرة الزاي. أما باقي التربة فتُستخدم لتشكيل حاجز تُرابي هلالي صغير عند أسفل المُنحدر الذي توجد فيه الحفرة. وتُستخدم الحفر مع السدود والمتون لحفظ جريان المياه، الذي تتباطأ سرعته بسبب وجود الحواجز. ويسمح هذا النظام بإعادة استخدام كثير من الأراضي الزراعية المتدهورة.
تُستخدم نظم الحفر بشكل رئيس من أجل زراعة المحاصيل الحولية، ولاسيما المحاصيل الحبيّة كالدخن، والذرة الصفراء، والذرة الرفيعة. ولكن إذا ما تمّ عمل الحفر في أرض مُنبسطة بدلاً من أرض منحدرة عندها يمكن اعتبار ذلك أقرب إلى إحدى تقنيات حفظ الرطوبة في التربة لا عملية لحصاد المياه. وتكون الحاجة إلى اليد العاملة لعمل حفر نظام الزاي كبيرة، وقد تشكل استثماراً لا بأس به خلال السنة الأولى أو خلال السنوات اللاحقة، ويجب إعادة ترميم الحفر عقب كل عملية حراثة. ويمكن تحوير محراث قرصي خاص من أجل عمل حفر صغيرة لإعادة إحياء المراعي الطبيعية.
4- أحواض جريان سطحي صغيرة Small runoff basinsيُطلق عليها أحياناً اسم نـجاريم (negarim)، وهي أحواض جريان صغيرة تتألف من بُنى صغيرة تتّخذ شكل المعين أو المستطيل، وتُحيط بها متون ترابية قليلة الارتفاع. ويتم توجيه الأحواض بحيث يكون انحدار الأرض الأعظم مُوازياً للقطر الطويل للمعيّن، مما يؤدي إلى جريان المياه إلى أخفض ركن وهي المكان الذي يزرع فيه النبات.
إن استخدام النجاريم ملائم فوق الأرض المنبسطة.
وتتراوح الأبعاد المُعتادة لهذه الأحواض من 5 - 10 م عرضاً ومن 10 - 25 م طولاً. ويمكن إنشاء أحواض جريان صغيرة مهما كانت درجة الميل تقريباً، بما في ذلك السهول ذات الانحدار 1-2 % ؛ غير أنه قد يحدث إنجراف للتربة فوق المنحدرات التي تزيد عن 5 % الأمر الذي يتطلب زيادة ارتفاع المتن. كما تُعتبر هذه الأحواض الأكثر مواءمة لزراعة الأشجار المثمرة مثل الفستق الحلبي، والمشمش، والزيتون، واللوز، والرمان، هذا ويمكن استخدامها لمحاصيل أخرى أيضاً. وعندما يتم استخدامها من أجل الأشجار فإنه يجب أن يكون عمق التربة كافياً لتحتفظ بكمية كافية من المياه على امتداد موسم الجفاف.
وإذا ما أُجريت صيانة جيّدة لمستجمع المياه، عندها يمكن حصاد 30 - 80 % من مياه الأمطار واستخدامها من قبل المحصول. ويُعتبر حفظ التربة من التأثيرات الجانبية الإيجابية لأحواض النجاريم.
وحين يتم إنشاء نظام النيجاريم فإنه يدوم سنوات ولا يتطلّب سوى قدر يسير من الصيانة. وقد تكون الحراثة لمكافحة الأعشاب داخل الأحواض غير ممكنة عملياً، الأمر الذي يتطلّب استخدام اليد للتعشيب أو استخدام المُبيدات الكيميائية للقيام بذلك. ويمكن الحصول على معامل جريان مرتفع إذا ما أنشئت أحواض النجاريم فوق تربة ثقيلة أو قشرية.
ولما كان النظام يدعم محاصيل مرتفعة القيمة، فإن اتخاذ التدابير لحث جريان إضافي سيكون مـجدياً على الصعيد الاقتصادي.